مَن أراد أن يفهمَ ما يجري في النظام العالمي الاقتصادي الحالي فليتوقف عند مجريات وبيان قمة العشرين الأخيرة، التي عقدت في ريو دي جانيرو؛ فالمسلمة التي يمكن أن نخرج بها هي أن الانسداد السياسي والخلافات والانقسامات مِن سمات البوصلة المعطوبة التي تحدد الاتجاه بالنسبة للبيئة الاستراتيجية الدولية، وهذا ما يقوي الغموض والمجهول واللايقين والتوجس في النظام العالمي الحالي، ويجعل من مسألة أنسنة العلاقات الدولية أمراً صعباً؛ لأنَّ إنجاحَها يجب أن يتم من خلال إصلاح المؤسسات الدولية مثل «الأمم المتحدة» و«صندوق النقد الدولي» التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي ما زالت تسير بالفاعلين أنفسهم بالقوانين المجحفة نفسها، وبالمصالح نفسها.
وحتى عمل الأمناء العامين للأمم المتحدة يبقى محدوداً وإدارياً صرفاً؛ وهؤلاء دائماً ما يكونون حبيسي الصراعات والتناقضات داخل مجلس الأمن… وجميعهم يعرفون اختصاصاتهم المسطرة في ميثاق الأمم المتحدة، وأخرى غير المكتوبة التي يجب أن تطبق في كل الظروف والأزمنة في ظل خطوط حمر رسمتها القوى الدولية لعمل الأمانة العامة وللمنظمة بأسرها… الإصلاح مسألة صعبة وما يجري في العالم من أحداث دامية وأزمات متتالية يكون علاجها بين القوى العظمى خارج الأمم المتحدة، وليس داخل هاته المنظمة، هاته هي الحقيقة المرة.
إنَّ العالم يعاني أزمة ثقة هائلة، ويعيش بين سندان قوة القانون ومطرقة قانون القوة؛ فهناك في العالم أزيد من 57 أزمة نزاع مفتوحة، وهناك أزيد من 200 من الجماعات المسلحة، وتنامي الصراعات تكلف العالم نحو 17 تريليون دولار، وهي وقائع وأرقام لم تصل إليها البشرية من قبل؛ وهاته النزاعات المفتوحة وعلى رأسها ما يجري في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط، لم تستطع هيئات الحكامة الدولية الحالية حلها، بل تبقى رهينة مصالح القوى العظمى، التي ترسل رسلها تباعاً إلى مناطق النزاع وتكتفي بإعلانات مدروسة يظهر نفاقها عندما يتم التصويت على القرارات داخل مجلس الأمن أو عندما تسلح حتى النخاع بعض أطراف النزاع.
قانون القوة للأسف هو الطاغي فيما يجري من أحداث في النظام العالمي الحالي، وهو ما يجعل الابتسامة الغربية فيها نفاق، وفيها ازدواجية المعايير التي تخدم مصالحها، وتقوي كل يوم الخط الفاصل بين دول الجنوب الشاملة والفاعلين الكبار في النظام العالمي، بل تزيد من حدة التوتر بين القوى العظمى أنفسها.
«القوة لا تصنع الحق»، وهي مقولة تاريخية جاء بها جان جاك روسو منذ ما يزيد على قرنين ونصف القرن، ومعناها أن عوارض البطش والطغيان والتسلط والاستبداد بالقوة كاسرة من سورة الشرعية التي بها التغلب، وإذا انقرضت الشرعية أو ذبلت قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلاً عن المطالبة.