أكد دولة رئيس الوزراء الأسبق “طاهر المصري”، أن الاقتصاد الأردني بات يعاني اليوم من تحديات كبيرة دفعت الحكومة للتفكير في فرض المزيد من الضرائب على المواطنين والتركيز في جباية وتحصيل الأموال على معالجة الاختلالات.
وفي مقابلة خص بها مجلة “المستثمرون” قال المصري حول الواقع والتطلعات والحلول التي يجب اتباعها لمعالجة مشاكل الاقتصاد الوطني أن ارتفاع حجم الانفاق الحكومي دفع الحكومة إلى زيادة اعتمادها على الاقتراض على المستويين الداخلي والخارجي، مشيرا إلى ان الأوضاع الاقتصادية باتت بحاجة ماسة إلى معالجة حكيمة وفعالة والبحث عن أساليب إدارة جديدة في إدارة الملف الاقتصادي، خصوصا في موضوع ايجاد مصادر بديلة للطاقة.
وفيما يلي نص اللقاء:
• يعاني الاقتصاد الأردني من العديد من التحديات والضغوط أدت الى التضخم بالأسعار، ما زاد العبء على المواطن، برأيكم ما الأثر المتوقع لهذه الضغوط على الاقتصاد وعلى القطاع الاستثماري بشكل خاص؟
– الخطر والمصاعب التي يواجهها الأردن اقتصاديا بشكل عام لا تقتصر على التضخم المتنامي الذي يعاني منه فقط، بل هناك أكثر من ذلك كون الأزمات الاقتصادية والمالية يرتبط بها العديد من الأمور والمعطيات التي تؤثر كل منها على الأخرى، فالمملكة تعاني من حجم انفاق حكومي مرتفع يزداد كل عام بشكل يثير القلق، وهو ما يتطلب من الحكومة اتخاذ اجراءات وتدابير سريعة وفورية للوقوف على هذه التحديات الاقتصادية وما يلبي احتياجات ومتطلبات المجتمع.
ولا تتركز جهود الحكومة اليوم على ايجاد الحلول لمعالجة التضخم بل تنصب في زيادة الايرادات حتى تتمكن من توفير الأموال لتغطية انفاقها، لذلك فانها تعمل على تحصيل الأموال وليس على خفض نفقاتها المرتفعة، لذلك فان المجتمع اليوم يعاني من زيادة في حجم الضرائب المفروضة عليه والتي أثقلت كاهل المواطن، في الوقت الذي لا تتهاون فيها الحكومة في جبايتها “الضرائب” وتتخذ في الكثير من الأحيان اجراءات صارمة لتحصيلها، مع العلم اأن جهود الحكومة يجب أن تنصب على تخفيض النفقات.
واضافة إلى حجم انفاق الحكومة، هناك تحد آخر يواجه الاقتصاد الأردني وهو تنامي حاجة الحكومة الى الاقتراض من البنوك المحلية والخارجية، فمن خلال سياستها المتعلقة بالاقتراض الداخلي فقد سحبت الحكومة سيولة كبيرة من السوق المالية المحلية لتغطية احتياجاتها المالية وانفاقها، وبذلك فقد تركت السوق بكل مكوناته خاصة القطاع الاستثماري يعاني من نقص في السيولة، ما أثر على أسعار الفائدة والاستثمار والنشاط الاقتصادي بشكل عام.
ما هو دور البنك المركزي في ظل هذه الظروف والسياسة الحكومية؟
– البنك المركزي يراقب هذه الظواهر ويحاول ايجاد التوازن بحيث لا يطغى جانب أو عامل اقتصادي على آخر، فالبنك يقوم بدور أساسي وفعال في الحفاظ على قيمة الدينار الأردني.
يشتكي العديد من المستثمرين المحليين والأجانب من القوانين والتشريعات التي تتعلق بالاستثمار التي وصفوها “بالمنفرة”، ما رأي دولتكم بتلك الشكاوى، وما هو المطلوب لتسهيل اجراءات الاستثمار؟
– بالتأكيد ان الاستثمار الداخلي والخارجي عامل مهم جدا في تحريك الاقتصاد، وهناك تشريعات أردنية في اطارها العام جيدة تتقبل مبدأ أهمية الاستثمار.
لكن التحديات التي يواجهها القطاع الاستثماري الأردني تقع في المجمل في الجهاز الاداري الذي يطبق نصوص القوانين، وبكل تحفظ أقول أنه لا تتوفر الارادة الادارية التي تتفهم معنى أهمية الاستثمار، فالجهاز الاداري كان يعتبر قبل عقود من الزمن مثالا على الانتاجية ويتميز بقدرته على التكيف مع الحاجات الوطنية، ولكن اليوم أصبح الموظف غير مبال بتطوير عمله، وهو ما أدى إلى ضعف الانتاجية، الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على خدمات المستثمرين.
كما أن هناك معيقات أخرى غير ادارية تواجه قطاع الاستثمار في المملكة ساهمت في هروب المستثمرين الأجانب وحدت من قدرات المستثمر المحلي.
هذا ينقلنا الى سؤال عن مدى تأثير ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد الأردني وانعكاساته بصورة مباشرة على المواطن وعلى المستثمرين بشكل عام، كيف يمكن برايكم تخفيف أثر هذا الجنون في أسعار النفط؟
– تعتبر الطاقة بكل أشكالها من المشاكل الكبرى والرئيسة التي تعاني منها المملكة، وكان واضحا منذ عقود أن الأردن سيواجه مثل هذه المشاكل والتحديات التي يعاني منها اليوم، ولم تقم الحكومات بعمل شيء يذكر في هذا الجانب للتغلب على هذه الصعاب، ومن المعروف أن الأردن يعتبر من أفقر دول العالم في مجالات الطاقة، حيث كان البحث عن مصادر للطاقة محدودا جدا، وبقي هذا الموضوع “الطاقة” يراوح مكانه دون تطور، ما عمل على زيادة الأعباء المالية والنقدية والمعيشية على المواطن والمجتمع بشكل عام، لذلك يمكن القول أننا في الأردن ينقصنا التخطيط الاستراتيجي، فالعالم يتحرك ويتطور بسرعة ونحن نقف دون السعي لمواكبة هذا التطور.
لذلك لا بد من تحديد الاحتياجات المستقبلية والتعامل مع المستجدات في هذا الأمر بصورة علمية وبتخطيط حتى نلبي متطلبات واحتياجات المجتمع، وأذكر في هذا الجانب قطاع الكهرباء الذي كان مثالا جيدا على التخطيط الحكيم، فقد كان الأردن يصدر الكهرباء في السابق وأصبحنا اليوم اما مستوردين بشكل قليل أو نغطي احتياجاتنا تماما.
برأيك ما هي الحلول المقترحة والمطلوب تنفيذها من الحكومة للخروج من الوضع الحرج؟
– أولا: الاستمرار في البحث الحثيث عن مصادر بديلة للطاقة ليس فقط النفط والبترول، فهناك الغاز والزيت الصخري والطاقة الشمسية، فلنا في الأردن ميزة في الطاقة المتجددة يجب استغلالها، فلا بد من استغلال ودعم القدرات المحلية وتطويرها من خلال استيراد التكنولوجيا والعلم، وذلك لبناء تكنولوجا متطورة في الطاقة المتجددة تكون عنصرا أساسيا من الموارد الوطنية.
ثانيا: لا بد من استغلال عنصر الأمن والاستقرار الذي ينعم به الأردن، لتطوير العمل في كافة المجالات والقطاعات خاصة التي تتعلق بقطاع السياحة، فالمملكة بامكانها أن تكون دولة رئيسة على المستوى الدولي في هذا القطاع بالغ الأهمية وصاحب الريادة في منطقة الشرق الأوسط في تقديم الخدمات الطبية والتعليمية والتكنولوجية “سوفت وير” والبنكية، فجميع هذه الامتيازات موجودة في الأردن ويتمتع بها المواطن، لذلك لا بد من استغلال هذه الميزات للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحسين معيشة المواطن وايجاد المشاريع ذات القيمة المضافة.
ثالثا: لابد من دعم المشاريع الناجحة والقطاعات التي بلغت من الرقي والنجاح المستوى العالمي، وأخص بالذكر هنا قطاع الأدوية الذي يعتبر من أنجح القطاعات والاستثمارات، فالقيمة المضافة في هذه الصناعات عالية جدا، كما أن القطاع التعليمي في الأردن يعتبر من أهم القطاعات المكونة للاقتصاد الوطني ولابد من تطويره واستغلاله بالشكل الأمثل، فهناك عشرات آلاف الطلاب العرب والمسلمين الذين يدرسون في الأردن وينفقون عشرات الملايين من الدولارات.
