• ‭ ‬‮السر خلف ارتفاع أسعار النفط بازدياد معدل الطلب عليه والخوف من توقف الإمدادات به

النفط يطلق عليه تسمية الذهب الأسود Black Gold، من أغلى السلع عالميًا وأثمنها، كما يحظى النفط بمكانةٍ اقتصاديةٍ مرموقة عالميًا لدرجةِ أنه يؤثر اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا على العالم، وتؤثر كل من التغيرات السياسية والأحداث التي يشهدها العالم والتقلبات التي تجتاح الأسواق العالمية في أسعار النفط، تارةً ترتفع أسعار النفط عاليًا وتارةً أخرى تتهاوى بانحدار شديد، ففي الأعوام السابقة كان العالم قد عاش حالة غريبة من الاندهاش نتيجة انخفاض أسعار النفط ليصل سعر البرميل الواحد نحو 105 دولار أمريكي، ومع حلول شهري فبراير ومارس سنة 2020م واصلت أسعار النفط انخفاضها نتيجة تفشي فيروس كورونا كوفيد-19 في العالم، فقد أفضى ذلك إلى الفشل الذريع بين الدول المنتجة للنفط في الاتفاق على أمر محدد في قضية تخفيض كميات الإنتاج. هذا وقد أصبح سعر برميل النفط الخام نحو 30 دولار أمريكي، وقد رافق ذلك تباطؤًا اقتصاديًا ملحوظًا مما دفع بأوبك لإصدار قرار بتخفيض كميات الإنتاج لغاياتِ تثبيت أسعار النفط؛ ولكن عام ٢٠٢٣ قد سجل السعر الأدنى على الإطلاق مقارنةً مع العشرين سنة الأخيرة الماضية، ولا بد من التنويه إلى أن النمو الاقتصادي وزيادة الإنتاج الاقتصادي يلعبان دورًا في رفع مستوى الطلب على النفط الخام، أصبحت أسعار النفط تتحكم في الاقتصاد العالمي بالتزامنِ مع حلول منتصف القرن العشرين، حيث تحول النفط إلى مؤشر رئيسي يحدد النشاط الاقتصادي عالميًا، وقد جاءت هذه الأهمية انطلاقًا من المتطلبات المتهافتة على الطاقة العالمية حاليًا، وبالتزامنِ مع ابتكارِ مصادر طاقة بديلة فقد بدأ النفط يفقد أهميته الأولى كمصدر أساسي للطاقة، وبالرغم مما سبق؛ إلا أن الأهمية الاقتصادية ما زالت قائمة وتترك أثرًا على الحياة الاجتماعية عامةً، وفي عالم الاقتصاد فإن هناك ارتباط وثيق بين التغيرات التي تطرأ على أسعار النفط ومعدلاتِ نمو الدولة، حيث يظهر الأثر الاقتصادي في تقلبات وتغيرات أسعار النفط بشكلٍ ملحوظ على النشاط الاقتصادي العالمي، وتتفاوت النتائج وتختلف على الدول المصدرة والمستوردة للنفط؛ إذ تستبشر الدول المصدرة للنفط خيرًا في حال ارتفاع أسعار النفط، بينما يعد ذلك خبرًا سيئًا بالنسبةِ للدول المستوردة له، ويكمن دور أسعار النفط وتحكمها في الاقتصاد العالمي بأنه عند ارتفاع أسعار النفط وفقًا للعرض والطلب؛ فإن تكلفة الإنتاج سترتفع حتمًا وتلقائيًا؛ وبالتالي تراجع كميات الإنتاج للحدِ من تكاليف الإنتاج التي تتكبدها الشركات، هذا أن هذه التغيرات السعرية ستظهر أثرًا واضحًا على الاستهلاك والاستثمار، حيث يكون التأثر بالنسبة للاستهلاك غير مباشر بحكم علاقته الإيجابية المقرونة بالدخل المتاح، أما بالنسبة للاستثمار فإن ذلك يعود سلبًا بحكم ازدياد التكاليف التي تتكبدها الشركات  يكمن السر خلف ارتفاع أسعار النفط بازدياد معدل الطلب عليه والخوف من توقف الإمدادات به، لذلك فإن الضغوطات التصاعدية قد أفضت إلى رفع أسعار النفط، كما أن التطور الكبير الذي تشهده الدول النامية وتحديدًا الهند والصين يتسبب بازدياد الطلب العالمي النفط، وذلك نتيجة انتشار التحضر والتصنيع بسرعة فائقة، ويذكر بأن السنوات القليلة الماضية كانت مصدر قلق للعالم بحكم الاضطرابات التي تعاني منها الدول المنتجة للنفط؛ وقد ولد ذلك مخاوفًا من توقف ضخ النفط إلى العالم، ومن العوامل الأخرى أيضًا التي ساهمت بتدوير عجلةِ أسعار النفط بسرعة فائقة نحو الارتفاع  المضاربة والمنافسة الحامية في الأسواق على السلع، ويستدل من ذلك على النشاط الفائق الذي شهدته الأسواق. أسعار البنزين الشهرية، إن اختلاف التسعيرة لمشتقات النفط الشهرية يترك أثرًا كبيرًا على أسعار النفط، وذلك وفق مبادئ ونظريات الاقتصاد الجزئي. أسعار النفط تحكم في الاقتصاد العالمي من خلال التأثير بالمنحنيات الاقتصادية؛ ففي حال ارتفاع أسعار النفط فإن ذلك سيعود بالأثر على النمو الاقتصادي بالتقليل منه و زيادة معدلات التضخم. التسبب بخنق النمو الاقتصادي، وذلك بتأثر منحنيات العرض والطلب على السلع والخدمات حول العالم، وبتعبيرٍ اقتصادي فإن جميع المنتجات المشتقة من النفط سيتعرض منحنى العرض والطلب الخاص بها للزيادةِ بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط. احتمالية التسبب بتراجع معدلات الطلب على السلع الأخرى وذلك لدورها في التقليل من الثروة. وفي النهاية لا بد من التوضيح بأن العلاقة بين أسعار النفط والاقتصاد العالمي ليست مستقرة إجمالًا، وذلك وفقًا للصدمتين النفطيتين الكبريتين التي شهدها العالم في السبعينيات، حيث ارتسمت عليها ملامح انخفاض النمو وتزايد معدلات البطالة وتفشيها، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم، لذلك فإن العلاقة كانت عميقة بأن أسعار النفط تحكم في الاقتصاد العالمي، وبالرغم من ذلك؛ إلا أن التقلبات التي شهدها العالم في نهاية التسعينات ومطلع العقد الواحد والعشرين قد فتحت الأفق لإجراء مقارنة بينها وبين صدمة النفط السابقة، إلا أن الأزمة الأخيرة لم تتسبب بتقلباتٍ ضخمة للغاية ولم تترك أي أثر سلبي في معدلات البطالة والناتج المحلي الإجمالي.