المرحلة تؤهل الأردن أن يكون المركز الرئيسي للاستثمارات
لنا مصلحة أساسية في استقرار الأوضاع في المنطقة، وحل قضاياها بالطرق السلمية
من الضروري تولي دراسة معيقات الاستثمار من قبل جهات متخصصة تصنع حلولا ناجحة مرة احدة وإلى الأبد، وعدم الاكتفاء بإصلاحات تجميلية
الأردن رغم الأحداث المحيطة بقي بحكمة قيادته وتماسك شعبه واحة أمن واستقرار.
العين عبد الرؤوف الروابدة:
أوصاف كثيرة أطلقت على العين عبد الرؤوف الروابدة، ومنها: الحكيم، البلدوزر، فهو رجل عصامي، سليل اسرة قروية متوسطة، لكنه خلال حياته حقق حضوراً على المستوى العام على اختلاف المستويات السياسية والجتماعية والثقافية، الرسمية منها والشعبية.
عبد الرؤوف الروابدة الذي له من اسمه نصيب، رؤوف، وله من اسم ابنه “عصاميته”، حاضر البديهة، لماح، متحدث ، وخطيب مفوه، يمتلك لغة سليمة، وهو صاحب نكتة.
قارئ نهم في حقول المعرفة المختلفة، بين العلم بحكم تخصصه في الصيدلة، علم الدواء، ومن هنا جاءت معرفته أن “لكل علة دواء”، وبحكم ثقافته المتنوعة والمتنور، وخصوصاً الشعبية، يعرف أن كثيراً من الأمراض تحتاج لآخر العلاج بـ”الكي” فيكون موقفه صارماً ، صلباً، ولا يجامل.
وتعززت لغته وخطابه بقراءات وتجارب متنوعة بين الدرس الأكاديمي والتجارب الحزبية واقترابه من المجالس، ف “المجالس مدارس” وربما هي وصية سمعها من والته، فحفظها عن ظهر قلب، ومنها كان اهتمامه بالأنساب التي صدر له فيها “معجم العشائر الأردنية” وهو إلى ذلك قارئ في الرواية ويقرض الشعر، أو كان يكتب الشعر ، لكن روحه لم تغادر ذلك الفضاء الذي يمنح النفس مزاجها الصوفي.
أنيق، يختار ملابسه بدقة، وربما تساعده في ذلك رفيقة دربه أم عصام، ولكنه في البيت يشعر براحة في الزي العربي، وهو مضياف، يحب أسرته، ويرفق بالصبايا “المحننات” وأكثر من ذلك لأحفاده الكثر.
درس في الجامعة الأميركية ببيروت وتفوق في الدراسة كما في الحياة، وفي وقت كان فيها الوطن العربي يحلم كثيراً بالمشاريع القومية، كان أبو عصام واقعياً دون أن ينسى الحلم، واقترب من الأطروحات القومية، ولم يغادر إيمانه الذي تشربه من الناس البسطاء في الصريح، فكان ممثلاً للوجدان الشعبي والحس الإنساني.
بدأ حياته العملية في الصيدلة التي ماتزال صيدليته في مكانها، وحياته السياسية في المجلس الوطني الاستشاري، فنائباً للرئيس، وأميناً لعمان، ثم عضوا في مجلس النواب 1989 ولعدد من الدورات، وتسلم عدداً من الوزرات،منها: الصحة، النقل والمواصلات، التربية والتعليم والأشغال العامة والإسكان، شغل منصب أول رئيس للوزراء في المملكة الرابعة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
أسس حزب اليقظة، وتسلم أمانته العامة 1993 ، وكان نائب الأمين ورئيس الدائرة السياسية في الحزب الوطني الدستوري 1996-1997، وله في الهيئات والنقابات والأندية ومؤسسات المجتمع المدني حضور كبير، وهو ما عزز معرفته المتنوعة في مفاصل المجتمع، وهو إلى ذلك يمتاز بالحيوية والمثابرة، وهو نشيط اجتماعياً ولا يتأخر عن أي مناسبة في أفراح الأصدقاء والأقارب وأتراحهم.
له موقف واضح كنور الشمس في القضية الفلسطينة، والعلاقة بين الشعبين الشقيقين، تقوم على خيار الوحدة والتكامل ، وخصوصاً في هذه الظروف التي تعاني فيها الأمة من الوهن والضعف.
تسلم مجلس الملك، رئيساً لمجلس الأعيان، وهو بحكمته واستشرافاته وحنكته يقود المركب إلى بر الأمان في منطقة تتقاذفها الأمواج وتحيط بها الأحداث، مدركاً تماماً “قدرة الأردن وقدره”.
كتب في المعارف المتنوعة، بين العلم والأدب والتربية والثقافة الشعبية والأنساب، والسياسة، ومن مؤلفاته :”الوجيز في عالم الدواء”ثلاث طبعات” 1965، 1981، 1988″، “علم الصيدلة لمساعدي الصيادلة 1965″،”علم الجراثيم لمساعدي الصيادلة”اربع طبعات” 1965، 1982، 1988، 1989″،”علم الفسيولوجي لمساعدي الصيادلة 1965″،”الديموقراطية بين النظرية والتطبيق 1992″،”الانتخابات بين النظرية والتطبيق1992 “، و”لتربية واللمستقبل (وجهة نظر أردنية) 1996”.
وحاز على عدد من الأوسمة الرفيعة الوطنية والعربية والعالمية، ومنها: وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى عام1976 ، وسام الشرف برتبة ضابط أكبر من الجمهورية الإيطالية عام 1983 ، وسام الاستحقاق من جمهورية ألمانيا الاتحادية 1984 ، وسام الشرف الفضي الأكبر من جمهورية النمسا عام 1987 ، وسام التربية الممتاز عام1978 ، وسام النهضة الأردني الأول عام1999 ، وسام ايزابيلا كاتوليكا بدرجة الصليب العظيم من المملكة الأسبانية 1999، وسام التفوق النرويجي من الدرجة الأولى عام 2000 ، وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي من الدرجة الأولى عام 2000 .
يقول أحد أصدقائه ان النائب الوحيد الذي لم يغب عن جلسة واحدة ولم يغب عن لجنة واحدة من لجان المجلس التي لم يكن عضوا فيها، كان هو نائب محافظة اربد عن الدائرة الثانية والذي اسمه عبد الرؤوف الروابدة..!
ويقول صديقي القديم احمد الروابدة الذي هو ابن شقيقته للروابدة يعني مازال الروابدة ( يعايد أمه في العيدين ، والذي خلف الروابدة في صيدليته الشهيرة ، يقول ان الروابدة ذات مرة قال لخليل السالم – اذا كانت ذاكرتي سليمة- انه من الممكن لابن الفلاح ان يصير رئيسا للوزراء.
عبد الرؤوف الروابدة، حكاية أردنية أصيلة، “النشامى” التقته، وكان هذا الحوار:
الأحداث المحيطة وتأثيرها على الاستثمار في الأردن؟
ان قراءة الظروف المحيطة بالأردن وأوضاعها الأمنية والسياسية بما تضج من أحداث وصراعات وقلق، توحي بأن الأردن لم يعد جاذب لأي استثمار، لكن الحقيقة أن الأردن رغم الأحداث المحيطة التي تشكل عوامل طي وشرخ في الجغرافيا السياسية، فإن الأردن بحكمة قيادته وتماسك شعبه بقي واحة أمن واستقرار ، وهذا يؤهله ، وتحديداً في هذه المرحلة أن يكون المركز الرئيسي للاستثمارات.
لكن لا يمكن أن تسير الأمور بطريقة ميكانيكية ، أو بعامل التسيير الذاتي، بل على الدولة الأردنية أن توفر الإجراءات الإدارية التي تجعل عملية نمو الاستثمارات عملية مطردة ومتنامية، وأيضاً، عملية سهلة وموضوعية، وهذا يتأتى من خلال وجود القوانين العامة والشاملة والمستقرة التي توفر الطمأنينة للمستثر، إلى أن استثماراته في أمان واستقرار، ومضمونة لمدى من الزمن، وخصوصاً في ظل هذه الظروف التي تمتاز بالقلق، ويصل إلى قناعة رغم أن حال الأمن في المنطقة لا يدل على ذلك، فإن الأردن هي خياره للقيام بمشروعات طويلة الأمد، وعدا عن ذلك فإن التسهيلات والعمالة والتشريعات يمكن أن تخدم مشروعاته.
لكن على الدولة “الحكومة” أن تضع أولوياتها في مجالات الأشياء التي لها ميزة خاصة في هذا الوسط المهم للدخل القومي من خلال الاختيارات الأفضل وحسن الإدارة ، فالإدارة هي الناقل الحقيقي لسياسة الدولة وخططها ، من خلال وضع خطط واقعية يمكن تحقيق النجاح على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
ومن المؤكد أن تسرب الوهن لقلوب المسؤولين، أو ضعف الإدارة وعدم اهتمامها بتلك الخطط يضعف أثرها ويفشل نتائجها في كل مناحي الحياة ، وعلينا أن نقر أن أزمة الدولة العربية، هي أزمة إدارية، وتسبق كل ما يمكن أن يحث من أزمات سياسية واقتصادية، بل هي المؤشر الذي الذي يمكن من خلاله قراى مستقبل الدولة وأداء قطاعاتها وإداراتها والمسؤولين فيها، وأي دولة ترغب في الانتقال الواقعي لمستقبل جديد، لا يمكن أن يتم ذلك عبر الأمنيات، بل من خلال الإدارة الناجعة التي تقوم على التخطيط والمرونة والرقابة ووضع الموازنات، وديمومة المراجعة، لأنه لا بد من إعادة النظر بإدارتها بالأداء والنتائج ، ونظرياً يمكن القول: إن ما كان يصلح في الماضي، وفي عمر الدولة سابقاً لا يمكن أن يعود كذلك، فالمعطيات والأجيال والسياسات والبرامج والتقنيات تتغير بعد فترة من الزمن. والأهم من ذلك أن تلك التغييرات تتم بسرعة، ولا تنتظر من يتقاعس.
ما هي الاقتراحات التي تراها لتطوير الاستثمار في ظل هذه الظروف؟
أعتقد أن من الضروري تولي دراسة معيقات الاستثمار من قبل جهات متخصصة تصنع حلولا ناجحة مرة احدة وإلى الأبد، وعدم الاكتفاء بإصلاحات تجميلية ذات أثر مؤقت، وتلبي مطالب البعض، وليس مطالب الجميع ومصلحة الوطن.
لا شك أن الأحداث في المنطقة قد أثرت تأثيراً سلبياً، وبشكل كبير على الأردن التي تأثرت تجاريا، وخصوصاً بما يحدث في العراق وسوريا، وبسبب تلك الأحداث في سورية فقد اقتصرت مستورداته وصادراته بالمرور من لبنان والعديد من الدول، وتأثرت تجارة الترانزيت التي كانت تأتي إلى الأردن عبر السعودية.وكما أن أحداث المستمرة في العراق أثرت على التجارة البينية بين البلدين..
والأهم من ذلك أن الحالة القلقة في الوطن العربي والظروف الأمنية والأحداث هي التي أثرت على واقع الاستثمار في الأردن وأبعدت العديد من المستثمرين والسياح، لأنهم ينظرون إلى المنطقة كوحدة واحدة.
وما الذي يمكن أن يترتب على الحكومة من مواقف لمصلحة تطوير الاستثمار؟
قبل ذلك، وقبل الاستثمار فإن من مصلحة الأردن أن تستقر المنطقة ويعم الاستقرار في دول الجوار، وأن تنعم البلدان الشقيقة وشعوبها بالأمن، ومن مصلحة الأردن أن تقوم أنظمة حكم مستقرة وديمقراطية، قادرة على التعاون، وقيام المصالح والمشروعات المستقرة التي تسهم في تنمية المنطقة.. ومن المؤكد أن لنا مصلحة أساسية في استقرار الأوضاع في المنطقة، وحل قضاياها بالطرق السلمية وصولاً إلى تعاون جميع القوى والفعاليات في كل دولة لقيام حكم عادل ومستقر ، قابل للتطور ومواجهة حاجات المستقبل.
أن من أهم نتائج الأحداث في المنطقة أنها قد أدت إلى لجوء الملايين إلى الأردن -هذا الوطن الطيب- الذي رغم شح إمكانياته إلا أنه استقبل الملايين من اللاجئين، ولكن البركة قد جعلته قادراً على استيعاب الذين جاءوا إليه والعيش فيه بكرامة إلى أن يعودوا للاستقرار في أوطانهم.
ولقد تحمل الأردن تكاليف اللجوء، في الوقت الذي لم يكن العالم يقف إلى جانب هؤلاء المهاجرين إلا في تغطية جزء يسير من تكاليف معيشتهم، بينما تحمل الأردن الآثار المترتبة على ذلك، وبخاصة في بنيته الأساسية، وحياة الناس اليومية.
ما هي خطوط الاستثمار الأمثل في الأردن التي يمكن أن يقدمها لرجال الأعمال والمستثمرين؟
إن الأردن يقوم على موارد الزراعة والسياحة والخدمات، وهي جوانب أساسية لموارده وتأهيل قطاعاته الانتاجية والعمالة، وأن أي تفكير خارج هذا الإطار، هو إضاعة للوقت، وأن على الاستثمارات التوجه في هذه الاتجاهات الثلاثة، ومن المؤكد أن لدينا القدرة على الإنتاج الزراعي الذي يشغل الجزء الأكبر من عدد ونسب القوى العاملة، وفرص نجاح القطاع الزراعي تتمثل في الاستفادة من المناخ الذي يجعل الإنتاج على مدار العام، والاستثمار في القطاع الزراعي في البادية الشمالية خير دليل على هذه النجاحات ولأسباب عديدة.
أما السياحة، فهي في بلدنا تغطي جميع المناطق في الأردن، ولا يوجد قرية أو مدينة إلا وتشهد على أثر ، حتى قيل أن الأردن “متحف كبير”.
وتتونع هذه السياحة بين المناخية وتنوع الفصول، والعلاجية والطبية والدينية والتاريخية، كما تتنوع التضاريس بين السهول والجبال والصحراء، وتتنوع طبيعة المصادر بين المياه المعدنية والمناخات التي تصل إلى أخفض منطقة في العالم.
ويرفد مثل هذه السياحة تقدم مستوى التعليم الذي يوفر قطاعات ماهرة في مختلف الاختصاصات، ومسوى راق في الصحة والمستشفيات، والمواصلات والاتصلات، وإن استغلال هذه الموجودات والمعطيات، وبخاصة الحضارية منها يغدو واجباً أساسياً، ولكن ما تزال الدولة لا تعطيها الاهتمام الكافي.
